الإرادة الكونية: هي الإرادة المتعلقة بالخلق والإيجاد، والشاملة لجميع الموجودات والحوادث، وكل ما يقع في هذا الكون من خير وشر، ومن كفر وإيمان، ومن طاعة ومعصية، وهي التي يقال عنها: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
-
الاصطفاء: نوع تخصيص وتفضيل من الله تعالى لشيء على شيء آخر؛ لما في ذلك من مصالح، كاصطفاء بعض البشر على بعضهم، واصطفاء دين الإسلام على سائر الأديان، وهو اصطفاء مبني على كمال العلم والحكمة لا ظلم فيه بوجه من الوجوه، فهو اصطفاء لحكم إلهية قائمة بذات الله، وليس مجرد مصالح للخلق فحسب. وينقسم الاصطفاء إلى قسمين: 1- اصطفاء خاص، وهو: اصطفاء بالوحي، ولا يكون ذلك إلا للأنبياء والرسل، حيث اصطفى الله تعالى رسله وأنبياءه وخصهم بالرسالة والتشريف؛ لما هم عليه من صفات حميدة وأفعال سديدة، كما أن اصطفاءه لهم يتفاوت من رسول إلى آخر بالتكليم والخلة ونحو ذلك. 2- اصطفاء عام، كاصطفاء مريم عليها السلام بأن كلمتها الملائكة، ووهب لها عيسى عليه السلام من غير أب، وجعلها وابنها آية للعالمين، وكاصطفاء الصحابة رضي الله عنهم لصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، واصطفاء العلماء لحمل العلم الصحيح والدعوة إليه، وغير ذلك من صور الاصطفاء. والغاية من الاصطفاء هو تبليغ شرع الله ودينه، وتحقيق عبوديته سبحانه في الأرض.
الأمر: صفة من صفات الله تعالى الفعلية، وينقسم إلى قسمين: 1- أمر شرعي ديني، وهو ما أوحاه الله إلى رسله وأمر بالأخذ به، وهذا النوع مراد لنفسه مطلوب محبوب لذاته، ويتعلق بالإرادة الشرعية، ولا يكون إلا فيما يحبه الله ويرضاه، كالأمر بالصلاة والصيام وغير ذلك من العبادات. 2- أمر كوني قدري يتعلق بالإرادة الكونية، وهو الأمر الذي يأمر الله به المخلوقات فتكون بأمره، كأمر الله تعالى النار أن تكون بردا وسلاما على إبراهيم عليه السلام. والله سبحانه له الخلق والأمر؛ إذ هو الخالق الآمر الناهي، فكما أنه لا خالق سواه، فليس على الخلق إلزام ولا أمر ولا نهي إلا من خالقهم، كما أن خلقه للخلق فيه من التدبير القدري الكوني، وأمره فيه التدبير الشرعي الديني، فكما أن الخلق لا يخرج عن الحكمة، فلم يخلق شيئا عبثا، فكذلك لا يأمر ولا ينهى إلا بما هو عدل، وحكمة، وإحسان.
لم يرد لفظ " التأثير" في كتاب الله تعالى، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو من الألفظ المجملة، والأسماء المشتركة، فقد يراد به الانفراد بالابتداع، والتوحد بالاختراع. وهو التأثير الذي يطلق على الرب سبحانه وتعالى من باب الإخبار، هو إبداع الشيء، وخلقه، وجعله موجودا، وهو بهذا المعنى يخبر به عن الله تعالى، ولكن لا يشتق منه اسم ولا صفة، حيث لم يرد في الكتاب أو السنة. وتسمية تأثير الرب في مخلوقاته فعلا، وصنعا، وإبداعا، وإبداء، وخلقا، وبرءا، وأمثال ذلك من العبارات، هو مما تواتر عن الأنبياء؛ بل ومما اتفق عليه جماهير العقلاء. ولا يصح إطلاقه بهذا المعنى على قدرة العبد، وقد قالت المعتزلة بأن العبد يخلق فعل نفسه، فأثبتوا التأثير بهذا المعنى لقدرة العبد، وهذا باطل. ومعناه الباطل عند الفلاسفة الذي أداهم إلى القول بقدم العالم فإنها من المعاني الباطلة التي لا يجوز تفسير التأثير بها. وقد يراد بالتأثير: أن خروج الفعل من العدم إلى الوجود كان بتوسط القدرة المحدثة، بمعنى أن القدرة المخلوقة هي سبب وواسطة في خلق الله سبحانه وتعالى الفعل بهذه القدرة، كما خلق النبات بالماء، وكما خلق جميع المسببات والمخلوقات بوسائط وأسباب، وهذا حق. وبهذا يتضح أن التأثير بمعنى الخلق والإبداع ينفرد به الله تعالى، وأن لفظ التأثير لفظ مجمل، وطريقة أهل السنة معها هو التوقف في اللفظ لعدم وروده في الكتاب والسنة، والاستفصال عن معناه؛ فإن أريد به المعنى الحق أثبتوه، وإن أريد به المعنى الباطل نفوه.
معناه: أن الله تعالى هو الذي يحفظ عباده بالحفظ العام، فييسر لهم أقواتهم، ويقيهم أسباب الهلاك، وكذلك يحفظ عليهم أعمالهم، ويحصي أقوالهم من خير أو شر، ويحفظ أولياءه بالحفظ الخاص، فيعصمهم عن مواقعة الذنوب، ويحرسهم من مكائد الشيطان، وعن كل ما يضرهم في دينهم ودنياهم.
وردت النصوص الشرعية بأن لله عز وجل حجابا وحجبا منفصلة عن العبد يكشفها إذا شاء فيتجلى، وإذا شاء لم يكشفها احتجب عن خلقه بقدرته وسلطانه، وحجابه النور لو كشفه لأحرق نور الرب وجلاؤه كل ما أدركه بصره، وقد احتجب سبحانه عن أعين الناظرين في الدنيا رحمة لهم؛ لأنه لو تجلى في الدنيا لهذه الأعين المخلوقة الفانية لصارت كجبل موسى عليه السلام دكا، وما احتملت النظر إلى الله تعالى؛ لأنها أبصار خلقت للفناء، لا تحتمل نور البقاء. وأما في الآخرة فالأحاديث في رؤية المؤمنين لربهم بلغت مبلغ التواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقاها أتباعه بالقبول والتسليم، وكلهم يرجو ربه ويسأله أن يكون ممن يراه في جنات عدن يوم يلقاه.
مِن صِفاتِ الله تعالى الفِعلِيَّةِ: الرَّفْعُ الذي يُقابله صِفة " الخَفْض "، وهو نوعان: 1- رَفْعٌ حِسِيٌّ، ومن ذلك: رَفْعُهُ سُبحانه وتعالى لِلأعمالِ الصّالِحَةِ، كما قال تعالى:" إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ " [فاطر:10]. ومثله أيضاً: رَفْعُهُ لِبَعْضِ عِبادِهِ رَفْعاً حِسِّيّاً، كَرَفْعِهِ لإدرِيسَ عليه السَّلام، فقد قال الله تعالى:" وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً " [مريم:57]، وذلك في السَّماء الرّابِعَةِ، حيث لَقِيَه رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم ليلة المِعراج فيها. ومثل ذلك أيضاً: رَفْعُ الأرواحِ التي تَعْرُجُ إليه؛ فإنَّه يَرْفَعُها. 2- رَفْعٌ مَعْنَوِيٌّ: وهو رَفْعُ بعضِ النّاسِ دَرَجاتٍ فوق بعضٍ، وقد تَعَهَّد الله بِذلك لِلمؤمِنِين ولأهلِ العلم في قوله تعالى:" يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ " [المجادلة:11]. ومثل هذا أيضاً: رفعه سبحانه وتعالى لِكِتابَة أعمالِ المُتَّقِين، فإنَّه يرفَعُها فيَجعَلها في عِلِّيِّين.
إن الهبوط صفة من صفات وأفعال الرب سبحانه وتعالى، وليس نزوله سبحانه وتعالى كنزول أجسام بني آدم من السطح إلى الأرض بحيث يبقى السقف فوقهم؛ بل الله منزه عن ذلك.
لا يلزم من إثبات الوجود صفة لله أن يكون له موجد؛ لأن الوجود نوعان: 1- وجود ذاتي، ويسمى الموصوف به: واجب الوجود، وهو ما كان وجوده ثابتا له في نفسه، دون أن يجعله غيره موجودا، وهذا هو وجود الله تعالى، فإن وجوده لم يسبقه عدم في الماضي، ولا يلحقه عدم في المستقبل. 2- وجود حادث، ويسمى الموصوف به: ممكن الوجود، وهو ما كان بعد عدم، فهذا لا بد له من موجد يوجده وخالق يحدثه، وهو الله سبحانه.
الإحياء: صفة فعلية من الصفات الاختيارية المتعدية القائمة بالرب سبحانه وتعالى، ومتعلقة بقدرته ومشيئته، وقد اختص الله بها، وهي تعني إعادة الحياة إلى الميت، أو إيجادها ابتداء فيه، وهي دليل على قدرته تعالى على بدء الخلق وإعادته، وأنه هو الذي أحيا الخلق من العدم، ثم يميتهم، ثم يبعثهم كلهم ليوم الجمع.
أهل السنة والجماعة يثبتون صفة السخرية لله عز وجل كما أثبتها لنفسه، كما يثبتون صفة الكيد والمكر، ولا يخوضون في كيفيتها، ولا يشبهونها بسخرية المخلوق؛ فالله سبحانه " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير "، ودليل هذه الصفة من القرآن قوله تعالى:" فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم " [التوبة: 79]. ومن السنة: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في آخر أهل النار خروجا منها، وآخر أهل الجنة دخولا فيها، وفيه أنه قال يخاطب الله عز وجل: " أتسخر بي؟ أو تضحك بي وأنت الملك ... ". رواه البخاري (6571)، ومسلم (186) في صحيحيهما.
صفة الحثو تدل على أن صفة اليد الثابتة لله عز وجل في النصوص الكثيرة يد حقيقة لا يجوز تأويلها بالقدرة أو النعمة أو غيرها من التأويلات؛ لأن الحثو بالكفين كالإمساك والطي والقبض والبسط والكتابة كلها صفات ثابتة لله عز وجل وهي كلها من أعمال اليد وصفاته. قال ابن القيم : (ورد لفظ اليد في القرآن والسنة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مئة موضع ورودا متنوعا متصرفا فيه مقرونا بما يدل على أنها يد حقيقة من الإمساك والطي والقبض والبسط والمصافحة والحثيات...) اهـ.
قال ابن قتيبة: (والذي عندي – والله تعالى أعلم – أن الصُّورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأت في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حدٍّ) وقال ابن تيمية: (لفظ (الصُّورة) في الحديث (يعني رحمه الله: حديث أبي سعيد) كسائر ما ورد من الأسماء والصفات التي قد يسمى المخلوق بها على وجه التقييد، وإذا أطلقت على الله مختصة به؛ مثل العليم والقدير والرحيم والسميع والبصـير، ومثل خلقـه بيديه واستوائـه على العرش ونحو ذلك)
القِدَمُ: هو التَّقَدُّمُ في الوَقْتِ، سَواءَ كان ذلك مَسْبوقاً بِعَدَمٍ وفَناءٍ، أو لا. والقِدَمُ قِسْمانِ: 1- قِدَمٌ مُطْلَقٌ: وهو التَّقَدُّمُ على غَيْرِه مُطْلَقًا دون أن يكون لِوُجودِهِ أَوَّلٌ أو يَسْبِقَهُ عَدَمٌ. 2- قِدَمٌ نِسْبِيٌّ: وهو التَّقَدُّمُ على غَيْرِه مع إِمْكانِ تَقَدُّمٍ آخَرَ عليه وسَبْقِهِ بِعَدَمٍ. فالقِدَمُ لَفْظٌ مُجْمَلٌ، قد يُراد بِه التَّقَدُّمُ على الغَيْرِ دون أن يَسْبِقَهُ عَدَمٌ، وقد يُراد بِه التَّقَدُّمُ على الغَيْرِ، سَواءً سُبِقَ بِعَدَمٍ أم لا، وطَرِيقَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ في الأَلْفاظِ المُجْمَلَةِ عَدَمُ نَفْيِها ولا إثباتِها؛ بل الاسْتِفْصالُ عن مَعْناها، والمعنى الأَوَّلُ يُخْبَرُ بِهِ عن اللهِ عَزَّ وجَلَّ، ولكن لا يُعْتَبَرُ مِن صِفاتِهِ؛ لأنَّ اللهَ لم يَصِفْ بِها نَفْسَهُ، ولا وَصَفَهُ بِها رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ. وأما المعنى الثّاني فَمنفِيٌّ عن الله سُبحانَه مُطلَقًا.
جُودُ اللهِ قِسْمانِ: 1- جُودٌ مُطْلَقٌ تامٌّ دائِمٌ، وهو: جُودُهُ على أَهْلِ الإِيمانِ بِالإِيمانِ والعِلْمِ النَّافِعِ في الدُّنْيا وبِالنَّعِيمِ والرِّضا في الآخِرَةِ. 2- جُودٌ مُقَيَّدٌ، وهو: جُودُهُ تعالى على سائِرِ الخَلْقِ مِن الكُفَّارِ والمُلْحِدينَ والفُسَّاقِ ونَحْوِهِم بِالنِّعَمِ والأَرْزاقِ الدُّنْيوِيَّةِ.
المَكْرُ هُوَ تَدْبِيرٌ خَفِيٌّ لِأَمْرٍ سَواءً كَانَ خَيْرا أَوْشَرًّا لِيَقَعَ فِي الزَمَنِ المُسْتَقْبَلِ عَلَى صِفَةٍ خَاصَّةٍ، وَهُوَ نَوْعانِ: الأَوَّلُ: مَكْرُ اللهِ وَلاَ يُوصَفُ اللهُ بِهِ ِإلَّا فِي مُقَابَلَةِ مَكْرِ المَخْلوقِ فَيُقالُ: يَمْكُرُ اللهُ بِالمَاكِرِ، مِنْ ذَلِكَ: اسْتِدْراجُ الفَاسِقِ بالنِّعَمِ. الثَّانِي: مَكْرُ المَخْلوقِ وَمِنْهُ مَا هُوَ مَحْمودٌ وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ إِيقَاعَ فِعْلٍ جَمِيلٍ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مَذْمومٌ وَهُوَ إِيصَالُ المَكْروهِ أَوِ الشَرِّ لِلإِنْسانِ خِفْيَةً.
المجد: وصف جامع لكل أنواع الكمال والجلال والجمال من جلالة الذات وعظمتها، وكثرة صفات الكمال وسعتها، وعدم إحصاء الخلق لها، وسعة الأفعال وكثرة خيرها ودوامها.
الإحاطَةُ: هي إِدْراكُ الشَّيْءِ مِن جَمِيعِ جِهاتِهِ، والمُحِيطُ بِالشَّيْءِ هو مَن يعَلْمُ وجُودَهُ وصِفَتَهُ وكَيْفِيَّتَهُ، وذلك لا يكون إلَّا للهِ تعالى. والإحاطَةُ قِسْمانِ: 1- إحاطَةٌ مَنْفِيَّةٌ: وهي إِحاطَةُ المَخْلوقِ، فالعِبادُ لا يُمْكِنُهم أن يُدْرِكُوا صِفات اللهِ وأَفْعالَه وذَاتَه إِدْراكاً كامِلاً ظاهِراً وباطِناً؛ فلا يُحِيطونَ بِاللهِ لا حِسّاً ولا عِلْماً، أي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصارُ جَلَّ وعَلا، وهذا فيه نَفْيُ الإحاطَةِ الحِسِّيَّةِ، وأيضاً: لا يُدْرِكونَ وَصْفَهُ جَلَّ وعَلا إِدْراكاً كامِلاً، وهذا فيه نَفْيُ الإحاطَةِ العِلْمِيَّةِ، وذلك؛ لأنَّهُ ليس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ؛ ولأنَّهُ الكَبِيرُ الواسِعُ العَظِيمُ، وإذا نَظَرَ الإنْسانُ إلى رَبِّهِ يَوْمَ القِيامَةِ فهذا النَّظَرُ لا يَحْصُلُ به الإدْراكُ والإحاطَةُ. 2- إحاطَةٌ مُثْبَتَةٌ: وهي إِحاطَةُ الخالِقِ بِكُلِّ شَيْءٍ، وهي صِفَةُ اللهِ تعالى، والمُرادُ بِها: إحاطَةُ صِّفاتٍ، فَأَحاطَ بِالخَلْقِ عِلْماً، وأَحاطَ بِهِم قُدْرَةً وقَهْراً وعَظَمَةً وسَعَةً ومُلْكاً، فاللهُ جَلَّ وعَلا مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وفَوْقَهُ.
وَرَدَت النُّصوصُ الشَّرعِيَّة بِأنَّ للهِ عزَّ وجلَّ حِجاباً وحُجُباً مُنفَصِلَةً عن العَبْدِ يَكشِفُها إذا شاءَ فيَتجلَّى، وإذا شاءَ لم يَكشِفها، احتَجَبَ عن خَلْقِه بِقدرَتِه وسُلطانِه، وحِجابُه النُّور لو كَشَفه لأحرَقَ نُورُ الرَّبِّ وجلاؤُه كلَّ ما أدرَكَهُ بصرُهُ، وقد احتَجَب سُبحانَه عن أعيُنِ النّاظِرين في الدُّنيا رَحْمَةً لهم؛ لأنّه لو تجلَّى في الدُّنيا لهذه الأعين المَخلوقَة الفانِية لصارَت كجبَلِ مُوسى عليه السَّلام دَكّاً، وما احتَمَلت النَّظرَ إلى اللهِ تعالى؛ لأنَّها أبصارٌ خُلِقَت لِلفَناء، لا تَحتَمِل نُورَ البَقاءِ. وأمّا في الآخرة فالأحاديثُ في رُؤيَة المُؤمِنين لرَبِّهم بَلَغَت مَبْلَغَ التَّواتُرِ عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وتَلقاها أتباعُه بالقبول والتَّسليم، وكلُّهم يَرجو رَبَّه ويَسألُه أن يكون مِمَّن يَراهُ في جنّاتِ عَدْنٍ يومَ يَلقاه. وأمّا الكُفّار فإنَّ اللهَ تعالى يَحتَجِبُ عنهم فلا يَرونَه في الآخِرة، وهذا مِن أشَدِّ العَذابِ عليهِم، نسألُ اللهَ السَّلامَةَ والعافِيَة، وقيل: يَرَوْنَه، لكن رُؤيَةَ غَضَبٍ وعُقوبَةٍ، ولكن ظاهِرَ الأدِلَّة يدُلُّ على أنَّهم لا يَرَوْنَ اللهَ، كما قال الله تعالى:" كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ " [المطففين: 15]. وأما المنافقون، فإنَّهم يَرَوْنَ اللهَ عزَّ وجلَّ في عَرَصاتِ القِيامَة، ثُمَّ يَحْتَجِبُ عنهم، ولا يَرَوْنَه بعد ذلك، فَتكونُ الحَجْبَةُ حَسْرَةً عَلَيْهِم؛ لِيَعْظُمَ عَذابُهُم ويَشْتَدَّ عِقابُهُم.
مِن أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَماعَةِ إِثْباتُ صِفَةِ الإرادَةِ للهِ تعالى، وهي قِسْمانِ: 1- الإرادَةُ الشَّرْعِيَّةُ: نِسْبَةً إلى الشَّرْعِ، وهو: دِينُ اللهِ تعالى وطَرِيقُهُ المُوصِلُ إلَيْهِ، وهي الإرادَةُ الصَّادِرَةُ عن عِلْمِ اللهِ المُطْلَقِ، والمُلازمَةُ لِلْمَحَبَّةِ والرِّضا بِالشَّيْءِ المُرادِ، وتُسَمَّى أيضاً: الإرادَة الدِّينِيَّة، ومِثالُها: إرادَةُ اللهِ تعالى مِن العِبادِ إِقامَةَ الصَّلاةِ، وهذا النَّوْعُ مِن الإرادَةِ لا يسْتَلْزِمُ وُقُوع المُرادِ، إلّا إذا تَعَلَّقَت بِه الإرادَةُ الكَوْنِيَّةُ. 2- الإرادَةُ الكَوْنِيَةُ: نِسْبَةً إلى الكَوْنِ، وهو: الوُجودُ، أي: أنَّها تَتَعَلَّقُ بِالخَلْقِ والإيجادِ، ولا تَستَلْزِمُ مَحبَّةَ المُرادِ، وتَصْدُرُ عن قُدْرَةِ اللهِ المُطْلَقَةِ، فهي مَشِيئَتُهُ تعالى الشَّامِلَةُ، وقُدْرَتُهُ النَّافِذَةُ، التي ليس لِأَحَدٍ الخُروج مِنها.
وحقيقة التردد: أن يكون الشيء الواحد محبوبا من وجه، ومكروها من وجه آخر، ومن ذلك: أن الله قضى بموت عبده - وكل ما قضى به؛ فهو يريده ولا بد منه - ولكن مع وجود كراهة مساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت؛ فصار الموت مرادا للحق من وجه، مكروها له من وجه آخر. وليس هذا التردد من أجل الشك في المصلحة، ولا من أجل الشك في القدرة على فعل الشيء، كتردد الجاهل الذي لا يعرف العاقبة، ولا كراهيته كراهة العاجز الذي لا يمكنه دفع ما يكره، فإنه سبحانه عالم بالعواقب، قادر على ما يشاء، لا يكون إلا ما شاء، ولا يشاء إلا ما يكون. وهذا لا يعني أن الله عز وجل موصوف بالتردد في قدرته أو في علمه، بخلاف الآدمي فهو إذا أراد أن يفعل الشيء تردد فيه، إما لشكه في نتائجه ومصلحته، وإما لشكه في قدرته عليه: هل يقدر أو لا يقدر، وأما الرب عز وجل فلا.
إضافة الحقو إلى الله من إضافة الصفة إلى الموصوف، كإضافة الوجه والقدم والساق لله تعالى، مع عدم إدراكنا لكيفية صفة حقوه سبحانه وتعالى، ولا نشبهها بصفات المخلوقين، فالله ليس كمثله شيء، وصفاته لا تشبه صفات المخلوقين.
الإجابة: صفة فعلية ثابتة لله عز وجل بالكتاب والسنة، والمجيب اسم من أسمائه تعالى؛ إذ هو سبحانه المجيب لدعوة الداعي إذا دعاه في أي مكان كان، وفي أي وقت من الأوقات، فلا يشغله سمع عن سمع، ولا تختلف عليه المطالب، ولا تشتبه عليه الأصوات، فيكشف الغم، ويذهب الهم، ويفرج الكرب، الذي ينيل سائله ما يريد، ولا يقدر على ذلك غيره. وإجابته تعالى نوعان: أحدهما: إجابة عامة لكل من دعاه دعاء عبادة، أو دعاء مسألة، فهو المجيب إجابة عامة للداعين كما وعدهم بذلك، مهما كانوا، وعلى أي حال كانوا، بحسب ما تقتضيه حكمته؛ وهذا مما يستدل به على كرم المولى وشمول إحسانه للبر والفاجر، ولا يدل بمجرده على حسن حال الداعي الذي أجيبت دعوته، إن لم يقترن بذلك ما يدل عليه، وعلى صدقه، وتعين الحق معه، كسؤال الأنبياء ودعائهم لقومهم وعلى قومهم، فيجيب الله دعاءهم. الثاني: إجابة خاصة للمستجيبين له، المنقادين لشرعه، وهو المجيب أيضا للمضطرين، ومن انقطع رجاؤهم من المخلوقين، وقوي تعلقهم به طمعا، ورجاء، وخوفا. والله تعالى يستجيب الدعوات، ويقضي الحاجات؛ لأن الخير كله بيده، فمن كانت له حاجة؛ كشفاء مريض، أو تيسير عسير، أو زوال فقر، أو رد غائب، أو غيرها؛ فلينزلها بربه ولا ينزلها بالخلق.
قال ابن تيمية: (والذي عليه أئمة الصفاتية وجمهورهم أن الرحمة صفة لله ليست هي الإرادة، كما أن السمع والبصر ليس نفس العلم) وقال: (الرحمة ضد التعذيب، والتعذيب فعله وهو يكون بمشيئته، وكذلك الرحمة تكون بمشيئته، كما قال: {ويرحم من يشاء}). وقال ابن القيم: (الرحمة صفة تقتضي إيصال المنافع والمصالح إلى العبد، وإن كرهتها نفسه، وشقت عليها، فهذه هي الرحمة الحقيقية). وقال السعدي: (ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء، وعمت كل حي، وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله. فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة، ومن عداهم فلهم نصيب منها).
قال ابن تيمية: (وأما لفظ العينين فليس هو في القرآن، ولكن جاء في حديث، وذكر الأشعري عن أهل السنة والحديث أنهم يقولون: إن لله عينين)، أي أبو الحسن الأشعري. وقال ابن القيم: (وقد نطق الكتاب والسنة بذكر اليد... وبلفظ العين مضافة إليه مفردة ومجموعة، ونطقت السُّنَّة بإضافتها إليه مثناة). وقال ابن عثيمين: (مذهب أهل السنة والجماعة أن لله عينين اثنتين، ينظر بهما حقيقة على الوجه اللائق به، وهما من الصفات الذاتية).
قال ابن تيمية: (إذا قيل: العلو، فإنه يتناول ما فوق المخلوقات كلها، فما فوقها كلها هو في السماء، ولا يقتضي هذا أن يكون هناك ظرف وجودي يحيط به، إذ ليس فوق العالم شيء موجود إلا الله). قال ابن القيم: (فله العلو المطلق من جميع الوجوه: علو القدر وعلو القهر وعلو الذات، فمن جحد علو الذات: فقد جحد لوازم اسمه العلي). قال السعدي: (له العلو المطلق بجميع الوجوه والاعتبارات، علو الذات وعلو القدر وعلو القهر).
قال ابن القيم: ([والله] موصوف بالقدرة التامة، منزَّه عن ضدها من العجز واللغوب والإعياء). وقال السعدي: (يجب علينا الإيمان بأنه على كل شيء قدير، والإيمان بكمال قدرة الله، والإيمان بأن قدرته شاملة لجميع الكائنات).
يثبت أهل السنة والجماعة صفة الحياة صفة ذاتية لله تعالى، كما دل عليه الكتاب والسنة، فالله تعالى هو الحي بحياة تخصه، وهي الحياة التامة الواجبة، وهي الحياة التي لا يعتريها نقص ولا نوم ولا سنة.
قال ابن تيمية: (حكى غير واحد إجماع السلف: أن صفات الباري -جل وعلا- تُجرى على ظاهرها، مع نفي الكيفية والتشبيه عنه... فنقول: إن لله سبحانه يدًا وسمعًا، ولا نقول: إن معنى اليد القدرة، ومعنى السمع العلم). وقال ابن القيم: (ورد لفظ اليد في القرآن والسنة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مائة موضع ورودًا متنوعًا متصرفًا فيه مقرونًا بما يدل على أنها يد حقيقة من الإمساك والطي والقبض والبسط والمصافحة والحثيات والنضح باليد...). وقال السعدي: (فله يدان حقيقة، كما أن ذاته لا تشبهها الذوات، فصفاته لا تشبهها الصفات).
قال ابن تيمية: (لفظ الرزق فيه إجمال فقد يراد بلفظ الرزق: ما أباحه [الله] أو ملَّكه، فلا يدخل الحرام في مسمى هذا الرزق كما في قوله تعالى {ومما رزقناهم ينفقون}... وقد يراد بالرزق ما ينتفع به الحيوان وإن لم يكن هناك إباحة ولا تمليك فيدخل فيه الحرام كما في قوله تعالى {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها}). وقال ابن القيم: (لما كان قِوَام كل واحد من البدن والقلب إنما هو بالرزق، فرِزق البدن الطعامُ والشرابُ، ورزق القلب الإيمان والمعرفة بربه وفاطره ومحبته والشوق إليه والأنس بقربه والابتهاج بذكره، وكان لا حياة له إلا بذلك، كما أن البدن لا حياة له إلا بالطعام والشراب أنعم سبحانه على عبادة بهذين النوعين من الرزق). وقال السعدي: (ورزقه نوعان: أحدهما: الرزق النافع الذي لا تبعة فيه، وهو نوعان أيضًا: رزق القلوب بالعلوم النافعة والإيمان الصحيح، والنوع الثاني: أن يغني الله عبده بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه، وأما النوع الثاني، وهو إيصال الباري جميع الأقوات التي تتغذي بها المخلوقات برها وفاجرها المكلفون وغيرهم).
قال ابن تيمية: (وذلك أنه ليس في ظاهر القرآن أن ذلك صفة لله تعالى؛ لأنه قال: {يوم يكشف عن ساق}، ولم يقل: عن ساق الله، ولا قال: يكشف الرب عن ساقه، وإنما ذكر ساقًا نكرةً غير مَعرِفةٍ، ولا مضافةٍ، وهذا اللفظ بمجرده لا يدل على أنها ساق الله، والذين جعلوا ذلك من صفات الله تعالى أثبتوه بالحديث الصحيح المفسر للقرآن،... وقد يقال: إن ظاهر القرآن يدل على ذلك من جهة أنه أخبر أنه يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود، والسجود لا يصلح إلا لله، فعلم أنه هو الكاشف عن ساقه). وقال ابن القيم: (ومن حمل الآية على ذلك قال: قوله تعالى: {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود} مطابقٌ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فيكشف عن ساقه، فيخرُّون له سجَّدًا)، وتنكيره للتعظيم والتفخيم، كأنه قال: يكشف عن ساقٍ عظيمةٍ جلت عظمتها وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثيل أو شبيه)، وقال السعدي: (أي: إذا كان يوم القيامة، وانكشف فيه من القلاقل والزلازل والأهوال ما لا يدخل تحت الوهم، وأتى الباري لفصل القضاء بين عباده ومجازاتهم فكشف عن ساقه الكريمة التي لا يشبهها شيء، ورأى الخلائق من جلال الله وعظمته ما لا يمكن التعبير عنه، فحينئذ يدعون إلى السجود لله).
قال ابن تيمية عن قوله سبحانه: {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه}: (ففي هذه الآية والأحاديث الصحيحة المفسِّرة لها المستفيضة التي اتفق أهل العلم على صحتها وتلقيها بالقبول ما يبين أن السموات والأرض وما بينهما بالنسبة إلى عظمة الله تعالى أصغر من أن تكون مع قبضه لها إلا كالشيء الصغير في يد أحدنا). وقال ابن القيم: (في الصحيح عن عمر قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (يقبض الله سماواته بيده والأرض باليد الأخرى) وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض يده ويبسطها يحكي ربه تبارك وتعالى. تحقيقًا لإثبات اليد وصفة القبض والبسط، لا تشبيهًا وتمثيلًا). وقال السعدي: (فهو القابض للأرزاق والأرواح والنفوس).
قال ابن تيمية: (مسميات هذه الأسماء إذا فُعلت بمن لا يستحق العقوبة كانت ظلمًا له، وأما إذا فُعلت بمن فعلها بالمجني عليه عقوبةً له بمثل فعله كانت عدلًا، كما قال تعالى: {كذلك كدنا ليوسف}، فكاد له كما كادت إخوته لما قال له أبوه: {لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا}). وقال ابن القيم: (الله سبحانه لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع إلا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق، وقد عُلم أن المجازاة على ذلك حسنة من المخلوق، فكيف من الخالق سبحانه؟). وقال الشيخ عبد الرحمن البراك: (والمكر والكيد: تدبير خفي يتضمن إيصال الضرر من حيث يظن النفع).
قال ابن تيمية: (هو الرب العليم الذي العلم صفة له). وقال ابن القيم: (فالعلم يتضمن الحياة ولوازم كمالها من القيومية والقدرة والبقاء والسمع والبصر وسائر الصفات التي يستلزمها العلم التام). وقال السعدي: (العليم المحيط علمه بكل شيء: بالواجبات والممتنعات والممكنات، فيعلم تعالى نفسه الكريمة ونعوته المقدسة وأوصافه العظيمة... ويعلم الممتنعات حال امتناعها، ويعلم ما يترتب على وجودها لو وجدت... ويعلم تعالى الممكنات، وهي التي يجوز وجودها وعدمها، ما وجد منها وما لم يوجد مما لم تقتض الحكمة إيجاده، فهو العليم الذي أحاط علمه بالعالم العلوي والسفلي، لا يخلو عن علمه مكان ولا زمان، ويعلم الغيب والشهادة، والظواهر والبواطن، والجلي والخفي).
قال ابن تيمية:(وإذا كان المخلوق العزيز لا يتمكّن غيره من قهره، فمن له العزّة جميعًا، وكلّ عزة فمن عزّته أبعد عن ذلك). قال ابن القيم: (العزة يراد بها ثلاثة معان: عزة القوة، وعزة الامتناع، وعزة القهر، والرب تبارك وتعالى له العزة التامة بالاعتبارات الثلاث). وقال السعدي: (الذي له العزة كلها: عزة القوة، وعزة الغلبة، وعزة الامتناع، فامتنع أن يناله أحد من المخلوقات، وقهر جميع الموجودات، ودانت له الخليقة وخضعت لعظمته).
قال ابن القيم: (وأما شكر الرب تعالى فله شأن آخر كشأن صبره، فهو أولى بصفة الشكر من كل شكور، بل هو الشكور على الحقيقة، فإنه يعطي العبد ويوفقه لما يشكره عليه، ويشكر القليل من العمل والعطاء، فلا يستقله أن يشكره ويشكر الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعاف مضاعفة، ويشكر عبده بقوله بأن يثني عليه بين ملائكته وفي ملئه الأعلى ويلقي له الشكر بين عباده، ويشكره بفعله فإذا ترك له شيئا أعطاه أفضل منه وإذا بذل له شيئًا رده عليه أضعافًا مضاعفةً، وهو الذي وفقه للترك والبذل وشكره على هذا وذاك). وقال السعدي: (الذي يقبل من عباده اليسير من العمل، ويجازيهم عليه، العظيم من الأجر، الذي إذا قام عبده بأوامره وامتثل طاعته أعانه على ذلك وأثنى عليه ومدحه وجازاه في قلبه نورًا وإيمانًا وسعةً، وفي بدنه قوةً ونشاطًا، وفي جميع أحواله زيادة بركة ونماء، وفي أعماله زيادة توفيق). وقال الهراس: (ومعنى الشكور: الذي يتقبل أعمال عباده ويرضاها، ويثيبهم عليها، ويضاعفها لهم أضعافًا كثيرة على قدر إخلاصهم فيها وإتقانهم لها).
قال ابن تيمية: (الله محسن عدل، كل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل، فهو محسن إلى العبد بلا سبب منه تفضلًا وإحسانًا، ولا يعاقبه إلا بذنبه). قال ابن القيم:(أنه لا محسن على الحقيقة بأصناف النعم الظاهرة والباطنة إلا هو). وقال الشيخ عبد الرحمن البراك: (الإنعام... فإنه تعالى المنعم بجميع النعم).
قال ابن تيمية: (وكذلك ما ادعوا أنه مجاز في القرآن كلفظ المكر والاستهزاء والسخرية المضاف إلى الله، وزعموا أنه مسمى باسمِ ما يقابله على طريق المجاز، وليس كذلك، بل مسميات هذه الأسماء إذا فُعلت بمن لا يستحق العقوبة كانت ظلمًا له، وأما إذا فُعلت بمن فعلها بالمجني عليه عقوبة له بمثل فعله كانت عدلا...ولهذا كان الاستهزاء بهم فعلا يستحق هذا الاسم). وقال ابن القيم: (هذه الأفعال ليست ممدوحة مطلقًا، بل تُمدح في موضع وتُذم في موضع، فلا يجوز إطلاق أفعالها على الله مطلقا، فلا يقال إنه تعالى يمكر ويخادع ويستهزئ ويكيد...، والمقصود أن الله تعالى لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع إلا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق، وقد علم أن المجازاة على ذلك حسنة من المخلوق فكيف من الخالق سبحانه؟). وقال السعدي: (وهذا جزاء لهم على استهزائهم بعباده، فمِن استهزائه بهم أن زين لهم ما كانوا فيه من الشقاء والحالة الخبيثة، حتى ظنوا أنهم مع المؤمنين، لما لم يسلط الله المؤمنين عليهم، ومن استهزائه بهم يوم القيامة أنه يعطيهم مع المؤمنين نورًا ظاهرًا، فإذا مشى المؤمنون بنورهم طفئ نور المنافقين، وبقوا في الظلمة بعد النور متحيرين، فما أعظم اليأس بعد الطمع).
قال ابن تيمية: (ولا في أسمائه الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم اسم المنتقم، وإنما جاء المنتقم في القرآن مقيدًا كقوله: {إنا من المجرمين منتقمون}، وجاء معناه مضافًا إلى الله في قوله: {إن الله عزيز ذو انتقام}). وقال ابن القيم: (فإن شدة عقابه من صفات الأفعال، وطوله من صفات الأفعال، ولفظة ذي فيه لا تخرجه عن كونه صفة فعل كقوله: {عزيز ذو انتقام}). وقال السعدي: (أي: إذا أراد أن ينتقم من أحد فإنه لا يفوته ولا يعجزه).
قال البغوي: (القدم... من صفات الله سبحانه وتعالى المنزه عن التكييف والتشبيه، وكذلك كل ما جاء من هذا القبيل في الكتاب أو السنة، كاليد والإصبع والعين والمجيء والإتيان، فالإيمان بها فرض، والامتناع عن الخوض فيها واجب). وقال ابن القيم: (من لا يُقرُّ بأنه استوى على عرشه... وأنّه يضع رجله على النار، فتضيق بأهلها وينزوي بعضها إلى بعض، إلى غير ذلك من شؤونه وأفعاله التي من لم يقر بها: لم يقر بأنه على كل شيء قدير). وقال السعدي: (هذه الصفة تجري مجرى بقية الصفات وتثبت لله حقًّا على الوجه اللائق بعظمته، وذلك أن الله وعد النار بملئها، كما قال: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 119] فلما كان من مقتضى رحمته أن لا يعذب أحدًا بغير جرم، وكانت النار في غاية الكبر والسعة، حقق وعده تعالى ووضع عليها قدمه، فتلاقى طرفاها ولم يبق فيها فضل عن أهلها).
قال ابن تيمية: (والخلق هو الإبداع بتقدير، وذلك يتضمن تقديرها في العلم قبل تكونها في الخارج)، (ومذهب الجمهور أن الخلق غير المخلوق، فالخلق فعل الله القائم به، والمخلوق هو المخلوقات المنفصلة عنه)، (واسم الصفة يقع تارة على الصفة التي هي مسمى المصدر ويقع تارة على متعلقها الذي هو مسمى المفعول كلفظ الخلق يقع تارة على الفعل وعلى المخلوق). قال ابن القيم: (فكونه خلاقا عليما يقتضي أن يخلق ما يشاء، ولا يعجزه ما أراده من الخلق). وقال السعدي: (فإنه تعالى الخلاق، الذي جميع المخلوقات، متقدمها ومتأخرها، صغيرها وكبيرها، كلها أثر من آثار خلقه وقدرته، وأنه لا يستعصي عليه مخلوق أراد خلقه).
قال ابن تيمية: (فهو يفرح بما يحبه، ويؤذيه ما يبغضه، ويصبر على ما يؤذيه، وحبه ورضاه وفرحه وسخطه وصبره على ما يؤذيه كل ذلك من كماله، وكل ذلك من صفاته وأفعاله، وهو الذي خلق الخلائق وأفعالهم وهم لن يبلغوا ضره فيضروه ولن يبلغوا نفعه فينفعوه). وقال ابن القيم: (وصبره تعالى يفارق صبر المخلوق ولا يماثله من وجوه متعددة،... وأما صبره سبحانه فمتعلق بكفر العباد وشركهم ومسبتهم له سبحانه وأنواع معاصيهم وفجورهم). وقال السعدي: (الذي يعصيه العاصون ويتجرأ عليه المتجرئون وهو يعافيهم ويرزقهم ويسدي عليهم نعمه الظاهرة والباطنة).
قال ابن تيمية: (دل الكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة ودلائل العقل على أنه سميع بصير، والسمع والبصر لا يتعلق بالمعدوم، فإذا خلق الأشياء رآها سبحانه وإذا دعاه عباده سمع دعاءهم وسمع نجواهم). قال ابن القيم: ([الذي] أحاط سمعه بجميع المسموعات). قال الشيخ السعدي: ([السميع] لجميع المسموعات).
قال البخاري: (فالفعل إنّما هو إحداث الشيء). وقال ابن تيمية: (والفعل أيضا تابع للفاعل، بل هو ممّا يوصف به الفاعل). وقال ابن القيم: (ولم يزل الرب سبحانه تعالى فعّالا لما يريد، و لم يزل و لا يزال موصوفًا بصفات الكمال منعوتًا).
قال البغوي: (والإصبع المذكورة في الحديث صفة من صفات الله عزَّ وجلّ). قال ابن تيمية فيما نقله من اعتقاد أبي الحسن الأشعري: (وندين الله تعالى بأنه يقلب القلوب، وأن القلوب بين أصبعين من أصابع الله، وأنه سبحانه يضع السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، كما جاءت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم). وقال ابن القيم: (كان أحدهم إذا روى لغيره حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفات تلقاه بالقبول، واعتقد تلك الصفة به على القطع واليقين، كما اعتقد رؤية الرب... وإمساك سماواته على إصبع من أصابع يده، وإثبات القدم له). وقال: (ومن لا يقر بأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وأنه سبحانه مقلب القلوب حقيقة، وأنه إن شاء أن يقيم القلب أقامه, وإن شاء أن يزيغه أزاغه لا يقر بأن الله على كل شيء قدير).
قال ابن تيمية: (المراد بالبسط الإعطاء والجود). وقال السعدي: (الباسط للأرزاق والرحمة والقلوب). وقال محمد خليل الهراس: (يبسط الأرواح في الأجساد عند الحياة...، ويَبسط الأرزاق للضعفاء، ويبسط الرزق لمن يشاء حتى لا تبقى فَاقة).
قال ابن القيم: (لما كان المقصود بهذا تفردُّ الربِّ سبحانه بالعطاء والمنع لم يكن لذكر المعطي ولا لحظ المعطى معنى، بل المقصود أن حقيقة العطاء والمنع إليك لا إلى غيرك، بل أنت المتفرد بها لا يَشْرَكُك فيها أحد). وقال السعدي: (المعطي المانع، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، فجميع المصالح والمنافع منه تطلب، وإليه يرغب فيها، وهو الذي يعطيها لمن يشاء، ويمنعها من يشاء بحكمته ورحمته).
قال ابن تيمية: (وقال سبحانه وتعالى: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام) فأخبر سبحانه وتعالى أن له وجها لا يفنى ولا يلحقه الهلاك). وقال ابن القيم: (وجه الرب جل جلاله حيث ورد في الكتاب والسنة: فليس بمجاز، بل على حقيقته). وقال السعدي: (وفيه إثبات الوجه لله تعالى على الوجه اللائق به تعالى، وأن لله وجها لا تشبهه الوجوه).