تَـقْبِيحُ العَقْلِ
استِقْلالُ العَقْلِ بالحكمِ على قُبْحِ الأشياءِ مِن غَيْرِ تَوَقُّفٍ على الشَّرْعِ.
التَّقبِيحُ العَقلِيُّ: هو جَعْلُ العَقلِ دَلِيلاً مُستَقِلّاً في الحُكْمِ على الأشياءِ بِالقُبْحِ، وما يترتَّب على ذلك مِن تَحرِيمٍ وعِقابٍ، وهذا قولُ المُعتزِلَة ومَن وافَقَهم، حيث ذهبوا إلى أنَّ حُسْنَ الأفعالِ وقُبْحَها صِفاتٌ ذاتِيَّةٌ لها، وأنَّ الشَّرْعَ ليس له دَوْرٌ إلّا الكَشْف عن تلك الصِّفات، وهو - أي العقل - مُتَعَلَّق التَّكلِيف، وبِه يُسْتَحَقُّ العِقاب، وإن لم يَرِد بذلك سَمْعٌ، وقد رتَّبوا على ذلك أنَّ كُلَّ ما يَقبُحُ في نَظَرِ العَبْدِ يَقْبُحُ مِن الله عزَّ وجلَّ، ويجِب أن لا يفعَلَه؛ لأنَّه خَلَقَ الإنسانَ لِيَنْفَعَه، ووقعوا بِسَبَبِ هذا الانحِرافِ في تَشبِيه فِعْلِ اللهِ تعالى بِفِعْلِ خَلْقِهِ؛ إذ مَدار التَّحسِينِ والتَّقبِيح عندهم على حسب الحالِ المُشاهَدِ مِن الإنسان، وهذا غايَة في القُبْحِ والتَّحَكُّمِ في أفعالِ الله سُبحانَه، وكفى به انحِرافاً وفساداً، كما أنَّه على القول بالتَّحسين والتَّقبيح العقلِيَيْن عندهم أنكروا العَفْوَ عن المُذنِبِ في الآخِرة أو إخراجَه مِن النّار بِالشَّفاعة أو غيرها؛ لأنَّ هذا في زعمِهِم إغراء بِالمَعْصِيَة، قَبِيحٌ لا يفعَلُه الله عزَّ وجلَّ عندهم. وقد ذهب الأشاعرة ومَن تَبِعَهم مِن أهل المَذاهب إلى نفي التَّحسِين والتَّقبيح العقلِيَين، وقالوا بأنَّ حُسْنَ الأفعال وقُبْحَها لا يُعرَف إلّا بِالشَّرع. وأصَحُّ الأقوالِ وأعدُلها، هو ما عليه جمهور السَّلَفِ والخَلَفِ مِن أنَّه يُمكِنُ إدْراكُ حُسْنِ كَثِيرٍ مِن الأفْعالِ وقُبْحِها، وما يَسْتَتْبِعُ ذلك مِن حَمْدِ ومَدْحِ ما هو حَسَنٌ، وعَيْبِ وذَمِّ ما هو قَبِيحٌ عن طريق العقلِ، إلّا أنَّهم لا يُرتِّبون على ذلك إيجاباً ولا تَحريماً، ولا ثَواباً ولا عِقاباً؛ بل يكون الفِعْلُ صالِحاً لاستِحقاقِ الأمر والنَّهي، والثَّواب والعِقاب مِن الحكيم الذي لا يأمر بِنَقِيض ما أدرَكَ العقل حُسْنَه، أو ينهى عن نَقِيضِ ما أدرَك العقل قُبْحَه، عملاً في ذلك بِمقتضى الحكمة التي هي صِفة مِن صِفاته سبحانه.
يَرِد مُصطَلَح (تَقْبِيح العَقْلِ) في العَديدِ مِن مَسائِلِ العقيدة، منها: مَسألَة وُجوبِ الصَّلاحِ والأصْلَحِ على اللهِ تعالى، ووُجوب إرسالِ الرُّسلِ، ونَصْب الإمامِ، والخِلاف في تَعلِيلِ أفعالِ اللهِ تعالى وأوامِرِهِ ونَواهِيهِ، هل هي مُعلَّلةٌ بِالحِكَمِ والغايات أم لا، إلى غير ذلك مِن المَسائِل.

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح : (3/311) - مجموع فتاوى ابن تيمية : (11/676)، و (16/498) - مدارج السالكين : (1/237) - مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة : (2/39) - التعريفات الاعتقادية : (ص 149) - الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار : (2/459) - لوامع الأنوار البهية : (1/280) - مجموع فتاوى ابن تيمية : (8/428) - مدارج السالكين : (1/230) - القضاء والقدر : (ص 50) -