ظَفَرٌ بِالْحَقِّ
تَحصِيلُ الإِنْسانِ لِحَقِّهِ المالِيِّ الذي له على غَيْرِهِ مِن غيرِ رِضاه، ومِن غَيْرِ حُكمِ القَضاءِ بذلك.
الظَّفَرُ بِالحَقِّ: وسِيلَةٌ مِن وَسائِلِ اسْتِيفاءِ الحُقوقِ عند تَعَذُّرِ اسْتِيفائِها بِالطُّرُقِ المَشروعَةِ، وهو تَحْصِيلُ الإنْسانِ حَقَّهُ المالِيّ دون الرُّجوعِ إلى حُكْمِ القَضاءِ، كأن يكون شَخْصٌ له دَيْنٌ على شَخْصٍ آخَرَ، ولم يُسَدِّدْهُ له، فإذا وَجَدَ الدَّائِنُ مالاً لِلْمَدِينِ فلَهُ أن يَأْخُذَ منه مِقدارَ دَيْنِهِ جِنساً أو صِفَةً مقابلَ حَقّه، دون حاجَةٍ إلى حُكْمِ القاضي بِذلكَ، ولا رِضا المَدِينِ، وأما إذا كان مَن عليه الحَقُّ باذِلاً لَهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ عن أَدائِهِ فلا يجوز أخذُ مالِهِ قَهراً. ويَخْتَلِفُ حُكْمُ الظَّفَرِ بِالْحَقِّ عند الفُقَهاءِ بِاخْتِلافِ الحُقُوقِ، فيَحْرُمُ في بَعْضِها، كتَحْصِيل العُقُوباتِ مِن قِصاصٍ وحُدُودٍ وتَعْزِيرٍ، وتَحْصِيل الحُقوقِ المُتَعَلِّقَةِ بِالنِّكاحِ واللِّعانِ والإِيلاءِ والطَّلاقِ؛ لأنَّ هذه أُمُورٌ يقيمُها الحاكمُ أو لها شروطٌ لا يقدِر على التَّثبُّت منها أكثرُ النَّاسِ، ولأنَّها تَحْتاجُ إلى الاِجْتِهادِ والتَّحَرِّي في تَحْقِيقِ أَسْبابِها، فيَجِبُ الاِحْتِياطُ في إِثْباتِها وتَحْصِيلِها، وكُلُّ ذلك يَخْتَصُّ بِهِ الحاكِمُ، ويَجُوزُ في بَعْضِها، كتَحْصِيلِ الأَعْيانِ المُسْتَحَقَّةِ بِغَيْرِ قَضاءٍ، كالعَيْنِ المَغْصُوبَةِ، ومِثْل ذلك: كُلُّ عَيْنٍ مُسْتَحَقَّةٍ بِأَيِّ سَبَبٍ مِن أَسْبابِ الاِسْتِحْقاقِ، فلِلْمُسْتَحِقِّ أَخْذُها دون قَضاءٍ، فَمَنْ وَجَدَ عَيْنَ سِلْعَتِهِ التي اشْتَراها أو وَرِثَها أو أَوْصَى بِها له فَلَهُ أَخْذُها، ولا يُشْتَرَطُ الرَّفْعُ إلى الحاكِمِ، واخْتَلَفُوا في بَعْضِها. ويُشْتَرَطُ في تَحْصِيل الأَعْيانِ المُسْتَحَقَّةِ بِغَيْرِ قَضاءٍ: أن لا يُؤَدِّيَ ذلك إلى تَحْرِيكِ فِتْنَةٍ أو مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِن مَفْسَدَةِ ضَياعِ الحَقِّ، وأَضافَ بعضُ فُقَهاءِ الشَّافِعِيَّةِ شَرْطاً آخَرَ لِذلك، وهو أن لا يكون قد تَعَلَّقَ بِالعَيْنِ المُسْتَحَقَّةِ حَقٌّ لِشَخْصٍ آخَرَ، وذلك كأن يَشْتَرِيَ شَخْصٌ عَيْناً مِن آخَرَ كان قد أَجَّرَها أو رَهَنَها، فليس له بِناءً على هذا الشَّرْطِ أن يَأْخُذَها قَهْراً، لِتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِ الْبَائِعِ بِها.
يَرِد مُصْطلَح (ظَفَر بِالحَقِّ) في الفقه في كِتاب البيوع، باب: الغَصْب، وباب: الوَدِيعَة، وغير ذلك. ويُطلَق في كِتاب النِكاحِ، باب: النَّفَقة، ويُراد به: تَحْصِيلُ الزَّوجَةِ ما يَكفِيها لِنَفَقَتِها ونَفَقَةِ أولادِهِا مِن غَيْرِ إِذْنِ الزَّوجِ ولا إِذْنِ الْحاكِمِ. ويُطلَق في كتاب الحُدودِ، وفي كِتاب القِصاصِ، ويُراد به: تَحصِيلُ الحقوقِ المُتعلِّقة بالحُدودِ والقِصاصِ، كَقَذْفٍ أو قطْعِ عُضْوٍ أو نحوِ ذلك.

البحر الرائق شرح كنز الدقائق : (7/192) - تحفة المحتاج في شرح المنهاج : (10/287) - قواعد الأحكام في مصالح الأنام : (1/75) - المحلى : (8/180) - حاشية ابن عابدين : (1/290) - منح الجليل شرح مختصر خليل : (4/321) - مغني الـمحتاج فـي شرح الـمنهاج : (4/462) - الموسوعة الفقهية الكويتية : (29/156) - تحفة المحتاج في شرح المنهاج : (10/287) - كشاف القناع عن متن الإقناع : (4/211) -